جبل العُرمة.. ما زال العَلم يرفرف

نابلس - خاص صفا

ساحة حرب حقيقية تحول جبل العُرمة صبيحة الأربعاء، بعد أن قرر الاحتلال الإسرائيلي إخلاء الجبل بالقوة من المواطنين المعتصمين فيه، فكانت نهاية مأساوية لذلك اليوم بارتقاء شهيد منهم وإصابة العشرات بعضهم بحالة الخطر.

ومنذ قرابة الشهر، يواظب العشرات من أهالي بيتا والقرى المجاورة على الاعتصام في الجبل، يحرسون سارية العلم الفلسطيني المنتصبة على قمته المرتفعة.

الشاب باجس بني شمسة يقول لوكالة "صفا": "في كل يوم نتواجد بخيمة الاعتصام من الساعة الرابعة عصرًا وحتى التاسعة من صباح اليوم التالي".

ويشير إلى أن أهالي بيتا، ومنذ أحداث العام 1988 وهم يقدمون كل ما يملكون دفاعًا عن هذا الجبل.

أما الشاب ربيع حمايل، فيقول إن زيارات أهالي بيتا للعرمة لم تنقطع، حتى قبل الأحداث الأخيرة، وسيبقون فيها بكل ما أوتوا من قوة.

ويضيف: "شجرة الزيتون التي تضرب بجذورها في أعماق الأرض لم تكن لولا أن آباءنا وأجدادنا زرعوها وسقوها حبات عرقهم".

أهمية استراتيجية

ويعتبر "العُرمة" الجبل الأعلى بعد جبل عيبال في المنطقة، ويصل ارتفاعه إلى 840 مترًا، وهو أعلى من كل المستعمرات المحيطة، ويشرف على بلدات بيتا وعورتا وحوارة وشرق نابلس.

ويحوي الجبل آثارًا كنعانية يزيد عمرها عن 5 آلاف عام، تشمل بقايا قلعة و18 كهفًا ضخمًا كانت تستخدم لتخزين المياه والحبوب.

الباحث سمير دويكات يفند الرواية الإسرائيلية لهذه الاثارات، مبينًا أن هذه الرواية هي جزء من الرواية المزورة التي أنشئت على أساسها "إسرائيل" على أرض فلسطين.

ويقول إن الجبل يحوى 7 حبوس "آبار" لتخزين المياه، كان الناس يملؤونها بمياه الأمطار شتاءً لاستخدامها صيفًا لري المزروعات في الخِرب المجاورة.

ويضيف: "حتى 70 سنة مضت، كان آباؤنا وأجدادنا يزرعون الأراضي المحيطة بالجبل، ويسقونها من مياه الحبوس".

ويدعو دويكات المؤسسات الرسمية والأهلية والجامعات لعمل دراسات أثرية معمقة عن المنطقة، خاصة وأن الاحتلال يحضر باستمرار علماء آثار للمنطقة علّهم يجدون ما يدعم روايتهم.

أطماع قديمة

محاولات المستوطنين للاستيلاء على العُرمة بدأت منذ العام 1988 وتصدى لها أهالي بيتا الذين استبسلوا في الدفاع عنه، وارتقى منهم ثلاثة شهداء، مقابل ثلاثة قتلى في صفوف المستوطنين.

كانت تلك الأحداث رسالة قوية للاحتلال من أهالي بيتا بأن العُرمة لن يكون لقمة سائغة، ومن آثار ذلك أن بيتا من القرى القليلة التي بقيت في منآى عن الزحف الاستيطاني بمنطقة جنوب شرق نابلس.

رئيس بلدية بيتا فؤاد معالي يقول لوكالة "صفا" إن المخطط الإسرائيلي يقوم على فصل منطقة جنوب نابلس عن شمالها من خلال سلسلة من المستوطنات.

ويشير إلى أنهم "سيدافعون عن الجبل؛ لأن دفاعنا يعني حماية المنطقة من المستوطنين".

ويبين معالي أن الدفاع عن الجبل وحمايته يتطلب أموالًا طائلة وميزانيات كبيرة لتطوير المنطقة والاهتمام بالآثار الموجودة فيها.

ويشير إلى أن وزيرة السياحة والآثار أعلنت نيتها تحويل المنطقة إلى حديقة وطنية، لكن إجراءات الوزارة بطيئة وتنتظر إقرار موازنة السلطة الفلسطينية.

ويضيف: "نريد إعمار هذه المنطقة واكتشاف الآثار فيها، والبناء في المناطق المحيطة لحمايتها، ولهذا بدأنا بمسح المنطقة لإقامة مشاريع إسكان للشباب".

رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف ينبه إلى أن هناك مخطط إسرائيلي لإقامة 3 بؤر استيطانية في جبل العرمة، وجبل صبيح، وجبل النجمة، لتشكل مثلثا فاصلًا بين قرى جنوب شرق نابلس، وهي بيتا وعقربا وعورتا وقصرة.

ويوضح عساف لوكالة "صفا" أن هذا المخطط هو جزء من المخطط الاستراتيجي لتقسيم الضفة إلى كانتونات كبيرة، تضم مجموعة من الكنتونات الصغيرة.

ويذكر أن الاحتلال يستولي حاليًا على التلال والقمم المرتفعة، مثل جبلي جرزيم وعيبال والجبال التي تجثم عليها مستوطنات "ألون موريه"، و"إيتمار"، و"يتسهار"، والآن يحاول الاستيلاء على القمم المتبقية.

ويحاول المستوطنون الاستيلاء على جبل صبيح أكثر من مرة خلال السنة الأخيرة، لكنهم فشلوا، وقبل أيام بدأت أعمال تجريف بجبل النجمة لإقامة مستوطنة زراعية.

أما جبل العرمة، فالمحاولات الإسرائيلية للاستيلاء عليه مستمرة منذ عام 1988، وتعزى الأطماع به إلى قيمته الاستراتيجية، ولتوسيع حدود المستوطنات المجاورة، ولتزوير الرواية الحقيقية لتاريخ هذه البلاد بادعاء أنها أرض يهودية.

وينبه عساف إلى أن لهذا الجبل قيمة تاريخية أثرية، فهو يحمل الرواية التاريخية الحقيقية للمنطقة قبل قدوم اليهود إلى فلسطين وخروجهم منها.

ويقول: "يحاول الإسرائيليون تزوير التاريخ بادعاء أن هذه الآثار تعود لهم، والحقيقة أن اليهود هم الأقل آثارا في فلسطين".

سبل المواجهة

ويؤكد عساف أن هناك قرارًا بالدفاع عن العُرمة وحمايته، وهناك خطوات فعلية تم اتخاذها، تتراوح ما بين الدفاع عن الجبل وتطويره وتنميته.

فعلى صعيد الدفاع عن الجبل، تم تفعيل المقاومة الشعبية مع القوى الوطنية والإسلامية وهيئة مقاومة الجدار، ووضعت مجموعة من خيام الاعتصام لحماية الجبل.

ويقول: "نعمل منذ أكثر من عام على فتح طريق وإيصال خدمات المياه والكهرباء للمنطقة، لتمكين الناس من الوصول إليه والبناء في محيطه".

كما يجري العمل على إقامة متنزه على قمة الجبل، وسيتم دعم المزارعين لحماية أراضيهم وزراعتها وتعزيز البناء في محيط الجبل مع الحفاظ على الأماكن الأثرية، عبر مشروع مشترك ما بين هيئة مقاومة الجدار، والبلدية، ووزارة السياحة.

/ تعليق عبر الفيس بوك

استمرار "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة