والدتهم: بأي ذنب قتلوا؟

رصاص الجيران يقتل حُلم الصيادين الثلاثة

دير البلح - خاص صفا

لا تصدق الأم المكلومة نوال الزعزوع، أنها تودع قطعتين من جسدها وروحها، شهيدين في سبيل لقمة العيش، برصاص الجارة مصر، فيما ينفطر قلبها ألما وحزنا على مصير شقيقهم الثالث، الذي ما زال معتقلا لدى الجيش المصري.

هرعت المسكينة تركض خلف نعشي حسن ومحمود، بعد أن انتزع المشيعون جثمانيهما من بين حضنها الذي طالما منحهما الدفء والحنان، ليحرما منه إلى الأبد، فتصرخ بأعلى صوتها "حسبنا الله ونعم الوكيل .. الله ينتقم منكم.. شو ذنب الغلابة.. راحوا للقمة العيش وعادوا شهداء.. الله ينتقم منكم..".

وبالقرب كان الوالد الكهل الذي اشتغل رأسه ولحيته شيبًا، لا يقوى على الوقوف، وكأنه تصلب على مقعده من شدّة الحزن، فلم تسعفه أمراض كِبر السن للحركة وتقبيل نجليه، فاكتفى بتوديعهما بدموع غزيرة تتلاطم كأمواج البحر الذي اختلط بدمائهما، ولم تفلح محاولات أقاربه تهدئته والتخفيف من روعه.

اتكأ الوالد على عكازه الخشبي، ليسند حمله الثقيل، وركضت الأم بثياب الحداد والحزن السوداء، خلف الجثامين المحمولة من الغاضبين، تريد أن تُسمك بابنيها وألا تسمح لهما بالرحيل، ونادت ملوحة بيديها "هاتوا أولادي .. هاتوهم.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. الله يسهل عليكم يما..!".

وسط هذا الوداع المؤثر تدافع مئات المُشيعيين لحمل الجثمانين، والمضي بهما نحو المقبرة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، مرددين صيحات التكبير الغاضبة والمنددة بالجريمة النكراء.

وبصعوبة بالغة، استطاع مراسل "صفا"، إجراء حديث مقتضب مع الأم، وتحدثت قائلة: "أولادي استشهدوا لأجل لقمة العيش، استشهد محمود وحسن وياسر لا أعلم عنه شيئا، علمت مصير اثنين وكلي أمل أن أعرف مصير الثالث، أتمنى أن يكون على قيد الحياة؛ وأناشد الرئيس أبو مازن ورئيس حركة حماس والرئيس المصري وكل قلب رحيم بالتحرك لمعرفة أين مكان أبني، (جيبولي ابني ياعالم..)".

وتضيف الزعزوع بعدما ارتفع صوت نحيبها "أبنائي لم يذهبوا ليحاربوا المصريين، بل ذهبوا ليحاربوا الجوع والفقر، عبر مركب الصيد، الذي اشتروه قبل أسابيع، بعد استدانة حقه، ورهن ذهب إحدى زوجاتهم لحين سداد المبلغ!".

ووجهت الأم رسالة للمصريين "كان نزلتوا شفتوا شو على المركب، فلن تجدوا سوى شباك الصيد، لا يحملون قنابل، ولن يأتوكم على ظهر دبابة، تستقبلوهم بوابل من النار، أين ضميركم؟!".

وتتابع بعدما انهمرت مزيد من دموعها "عندما تعرض ستة صيادين مصريين للغرق ببحر غزة، ابني محمود أول من تحرك لنجدتهم، واليوم يكافأ برصاص يقتله!، هذا هو الجزاء؟!، ماذا فعل أبنائي لهم".

وتواصل حديثها "نحن يا مصريون دمنا وعدونا واحد وقضيتنا واحدة، نحن مسلمين وعرب كما أنتم، هل أنتم أصبحتم يهود كما (إسرائيل؟!)".

وتشير إلى أن نجلها الشهيد "حسن" نجا من موت مُحقق بعد إصابته قبل عامين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في صدره، خلال مسيرات العودة؛ قائلاً: "كُتب له عمر جديد وفرصة للعيش، لكن أنت يا مصري لم تعطه فرصة للعيش!، بل قتلته؛ هل كان ينوي سرقتك أو قتلك؟!".

وتضيف الأم وهي تتحدث بحرقة "نحن لسنا أعداؤكم، ولم نتدخل كفلسطينيين في شؤونكم أو الأحداث التي تجري عندكم، نحن عدونا واحد وهو (الاحتلال الإسرائيلي) وليس المصريون، لو أراد أبنائي أن يستشهدوا لجعلتهم يذهبون نحو الاحتلال وليس نحو المصريين، لأنهم هم من سلبوا حقنا وقتلونا وحاصرونا برًا وجوًا وبحرًا".

وتساءلت "ماذا يعني أن يحاصرنا الاحتلال فنضطر للتوجه نحو جيراننا المصريين، على أمل أن يكون الصدر الحنون لشعب غزة؟، لكننا قوبلنا بوابل من النار، دون أن يسألهم جندي مصري لماذا أتوا إلى هنا ومن هم.

وتؤكد الأم أن أبناءها ذهبوا للصيد ولقمة العيش المرة، طمعا في صيد وفير، يمكنهم من توفير مصاريف والديهما المرضى، وابنة أخيهم المعاقة، وسداد الديون، والتجهيز لزواج حسن الذي عقد قرانه قبل نحو سبعة أشهر.

وتشدد الأم "نحن متنفسنا البحر، أين نذهب ونحن مُحاصرون من الشمال والغرب من قبل الاحتلال والجنوب من مصر؟!، ما هذا الحقد الأعمى الذي يجعلكم تطلقون النار نحو أبرياء قبل معرفة من هم والتعرف عليهم؟!".

وتختتم حديثها "أبنائي غلابة أحدهم يجهز لزفافة وهو (حسن)، و(ياسر) لم يكمل 19عامًا، و (محمود) لم يتخط 22عامًا، كانوا يعملون في البناء، بشكل غير منتظم، أرادوا بناء مستقبلهم بالتوجه للعمل سويةً في البحر، وشراء مركب خاص، لكن الحُلم لم يكتمل، قضت عليه رصاصة!".

 

ع ق

/ تعليق عبر الفيس بوك

استمرار "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة