نشأت الكرمي...قائد فذ لمرحلة صعبة

ترجل الشهيد نشأت الكرمي بعد رحلة قاسية من الملاحقة ومسيرة طويلة من الجهاد والمقاومة، نمت معه منذ صغره، وكبرت مع الأيام لتختتم بارتقائه شهيدا فجر الجمعة في ملحمة عسكرية على جبل جوهر في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة.
 
وبدأت رحلة الملاحقة الأخيرة من فصول المقاومة والجهاد في حياته عقب اتهامه بالمسئولية المباشرة عن عملية الخليل التي قتل فيها أربعة مستوطنين منتصف شهر رمضان من العام الجاري والتي تبنتها كتائب القسام.
 
فمنذ تلك العملية، أعلنت كافة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حالة الاستنفار التام في صفوفها وصنفت الكرمي "المطلوب رقم واحد" لها في الضفة الغربية وعدته من أخطر رجالات المقاومة ووصفته بالذكي المراوغ الذي يعمل بسرية وصمت.
 
والتحق الكرمي - الذي يبلغ من العمر ( 34 عاما) وينحدر من مدينة طولكرم - بحركة حماس منذ السنوات الأولى لانطلاقتها، وبسبب تميزه وذكائه ذاع صيته كأحد أبرز نشطاء الحركة في طولكرم، وناشطا في ذراعها الطلابي فجناحها العسكري كتائب القسام الذي برز دوره فيه مطلع انتفاضة الأقصى عام 2000.
 
المهندس الصامت
وبدأ ارتباط الشهيد الكرمي بمحافظة الخليل منذ عام 1997 حين التحق بجامعة البوليتكنك ليدرس هندسة أتمتة صناعية، ولما يتخرج بعد لحظة استشهاده رغم مرور 14 عاما على التحاقه بالجامعة بسبب انخراطه في العمل الجهادي وتعرضه المستمر للمطاردة والاعتقال والإصابة من قبل قوات الاحتلال.
 
طفل يحمل صورة نشأت الكرمي (صفا)
فمع توليه رئاسة مجلس الطلبة في جامعة البوليتكنك ممثلا للكتلة الإسلامية فيها عام 1999 اعتقلته قوات الاحتلال لثلاث سنوات متتالية، وما أن خرج من السجن في ذروة انتفاضة الأقصى حتى اعتقلته قوات الاحتلال مرة أخرى ثلاثة أشهر في الاعتقال الإداري.
 
وعاد الكرمي بعد خروجه من السجن لإكمال دراسته في جامعة البوليتكنك إلى أن جاءت حادثة مفصلية وهي استشهاد الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولم يكن الكرمي ليتأخر عن التفكير والتخطيط لتنفيذ ردود عسكرية على هذه الأحداث الجسيمة.
 
وتقول المصادر: "إن الكرمي وكان حينها عنصرا سريا في كتائب القسام بدأ يعد لتنفيذ سلسلة هجمات ويعد المجموعات العسكرية لذلك ولكن قوات الاحتلال التي تعرف مستوى قدراته عمدت إلى ملاحقته في إطار حملات اعتقال واسعة نفذتها عقب اغتيال الياسين والرنتيسي".
 
ونجا الكرمي من محاولة اغتيال مؤكدة، حين أطلقت عليه الوحدات الإسرائيلية الخاصة النار خلال ملاحقتها له بتاريخ 4-5-2004 مما أدى إلى إصابته بجراح خطيرة اعتقل على إثرها وقضى فترات طويلة في سجن مستشفى الرملة في ظروف قاسية حيث كان يعاني من إصابة بالمثانة والأمعاء الغليظة وتم استئصال جزء من البروستاتة وقضى فترة من اعتقاله مقعدا على كرسي متحرك.
 
وحكم على الكرمي منذ اعتقاله بالسجن مدة خمس سنوات ونصف، حيث أطلق سراحه في شهر أغسطس عام 2009 ليعود إلى ممارسة حياته الطبيعية.
 
تجدد المسيرة
وكما يتوقع كثيرون بعد هذه الرحلة الطويلة من الاعتقال والإصابة والملاحقة، فإن الكرمي يفترض به أن يكمل دراسته ويتزوج ويتفرغ لشئونه الخاصة، سيما وأن فترة خروجه من سجون الاحتلال تزامنت مع الحالة الأمنية الاستثنائية التي تعيشها الضفة الغربية عقب أحداث حزيران/ يونيو 2007 في قطاع غزة.
 
جنود الاحتلال اثناء العملية (صفا)
ولكن الكرمي الذي عاد ليكمل حياته الطبيعية طالبا في جامعة البوليتكنك، وتزوج خلال شهور قليلة من فتاة فاضلة من "عائلة اسعيد" رزق منها بطفلة قبل استشهاده بأربعة أشهر، لم يكن لينسى المقاومة فتابع مسيرته الجهادية تزامنا مع كل ذلك.
 
وتقول مصادر في حركة حماس: "إن الشهيد الكرمي عمل على ترميم مجموعات عسكرية تابعة لكتائب القسام بعد الضربات القاسية التي تعرضت لها من قبل الأجهزة الأمنية في سنوات ما بعد  أحداث حزيران، وخلال شهور قليلة من الإعداد كانت تلك المجموعات على أهبة الاستعداد لإعلان انطلاق شرارة العمل العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية مرة أخرى".
 
وكان شهر أيلول الماضي فارقا في تلك المسيرة، حين خرق الكرمي حالة الهدوء السائدة على جبهة المقاومة في الضفة الغربية بعملية نوعية استهدفت أربعة مستوطنين قرب بلدة بني نعيم قضاء الخليل، وتحدثت مصادر مختلفة حينها أن المقصود عملية أسر نوعية للمستوطنين انتهت بمقتلهم دون أن يتم اختطافهم.
 
مطاردة شرسة
أيام قليلة أعقبت تلك العملية أدت إلى بروز اسم الشهيد الكرمي من جديد بوصفه "العقل المدبر" لتلك العملية، وجاء ذلك عقب حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من أنصار حركة حماس في محافظة الخليل من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
 
وتشير المصادر إلى أن اعترافات أدلى بها معتقلون لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية قادت إلى الكشف عن الكرمي، فداهمت الأجهزة منزله، وحاولت اعتقاله دون جدوى ليتحول إلى مطلوب رئيسي لها.
 
وفي الجهة المقابلة؛ وجهت قوات الاحتلال رسالة مباشرة للكرمي بأنها ستلاحقه حتى النهاية حين اغتالت وعن قصد ودون مبرر أحد المقربين منه ، وهو إياد شلباية منتصف الشهر الماضي في مخيم نور شمس في محافظة طولكرم.
 
وخلال شهر ونصف من المطاردة الساخنة لم يهدأ بال عائلة الكرمي يوما واحدا، حيث المداهمة المستمرة والليلية المتواصلة من قبل قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية لمنزل العائلة ولمنزله ولمنزل أصهاره من عائلة اسعيد.
 
وخلال تلك الفترة، اعتقل جميع الإخوة والأصهار واستجوبوا مرارا وتكرارا، وخربت محتويات المنازل التي تعود لأقربائه مرات عديدة، ووجهت التحذيرات بعدم التستر على الكرمي وإلا فإن العواقب وخيمة.
 
وقبل وقت ليس بالبعيد، اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية والد زوجته وأشقائها الأربعة وهم بهاء اسعيد وهو طبيب أسنان، وضياء ومعتصم وعبد الرحمن اسعيد، وهو كفيف ويدرس الشريعة الإسلامية، كما اعتقل شقيقيه محمد وبشار.  
 
كما شددت قوات الاحتلال من إجراءاتها على الحواجز العسكرية المؤدية إلى شمال الضفة الغربية خوفا من تمكن الكرمي من العودة إلى مسقط رأسه عقب الملاحقة الشديدة التي تعرض لها في مدينة الخليل.  
 
حذر لم يلغ القدر
ويعرف عن الكرمي حسه الأمني العالي، فهو يرفض التقاط الصور له، ويعمل بعيدا عن الأضواء، كما أنه لا يحب استخدام أجهزة الاتصال لاعتقاده بأنها وسيلة سهلة لاصطياد المقاومين.
 
وهو كتوم شديد الحرص؛ إلا أن الأخذ بتلك الأسباب لم يكن كافيا لمواجهة حجم حملة الاستهداف التي جندت ضده خلال الفترة الماضية والتي أدت في النهاية إلى ارتقائه شهيدا فجر اليوم في عملية عسكرية ضخمة.

 

/ تعليق عبر الفيس بوك

استمرار "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة